-A +A
سمير عابد شيخ
عندما يقولون لك أنّ الاستثمار «الفلاني» ممتاز.. فلا تستثمر فيه! والسبب هو انّ انتشار هذا الخبر يعني أنك أتيت متأخرا وقد طارت الطيور بأرزاقها! هذا على كل حال رأي الاقتصاديين المتشائمين! ولكن دعونا لا نيأس من فرص الاستثمار برغم الظروف القاسية التي يعيشها العالم اليوم. فلكل سحابة رمادية بطانة فضّية – كما يقول المثل الغربي الشهير! والبطانة التي سأتناولها في هذا المقال ستكون برّاقـة ذهبية.. امعانا في التفاؤل ان شاء الله تعالى.
فمنذ الأيّام الأول للأزمة المالية العاتية التي تخترق حدود الدول، لاحظ هذا الكاتب اندفاعا شعبيا شرسا لاقتناء معدن الذهب بحكم أنّه الملجأ الآمن عند حدوث الأزمات! وهذا الاندفاع لم يقتصر على الدول الفقيرة النامية، بل تعدّى ذلك الى عدد من الدول الأوروبية. فلقد أوردت مجلّة «الانديبندنت» البريطانية أن كمية الذهب المخزّنة بإحدى الشركات المتخصّـصة بلغت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في سبتمبر 2007.
ولقد أعادت هذه المناظر الى ذاكرتي أزمة جنوب شرق آسيا بمنتصف التسعينيات. فعندما فقدت العملات 60% من قيمتها، ارتفع سعر الذهب لستة أضعاف سعره الأصلي، معوضا عاشقيه عن انهيار عملتهم! والظريف أنّ ذاك الانهيار أعاد بعض التوازن الاقتصادي بين المدن والقرى. فسكّان المدن «المتحضّرون» كانوا يستثمرون في البنوك والأسهم، أمّا بسطاء القرويين فكانوا يدّخرون ثرواتهم في الذهب. وعندما ارتفع الذهب لستة أضعاف ثمنه الأصلي, اندفع القرويون وباعوا المعدن النفيس واشتروا الأراضي والمواشي ورزقهم الرّزاق من حيث لم يحتسبوا!
ورغم جدوى اقتناء سبائك (وليس مشغولات) الذهب في بعض الظروف، إلاّ أن مقومات اقتصاداتنا في المملكة والخليج تختلف عن دول جنوب شرق آسيا. كما أنّ أزمة 1997 كانت آسيوية المنشأ، ولكن أزمة اليوم أمريكية المنشأ عالمية الانتشار. وبرغم انّ اقتصاداتنا ليست في مأمن كامل من هذه الأزمة، ولكن احتياطاتنا من العملات الأجنبية وقوة عملاتنا ستجعل تأثرّ عملتنا باذن الله أقل من دول جنوب آسيا حينئذ.
واذا عدنا الى المعدن النفيس، لاحظنا أنّ أسعاره شهدت ارتفاعا كبيرا بنسبة 300% خلال الألفية الجديدة. فلقد لامس سعر الأوقية ألف دولار قبل أشهر مرتفعا من ثلاثمائة دولار خلال التسعينيات. ولقد توقّعت دراسة مستفيضة لبنك استثماري أمريكي «بير ستيرنز» أنّ أسعارالذهب ستحقق ارتفاعات غير مسبوقة. ولكن ذلك البنك الذي هوت به العاصفة الحالية الى مكان سحيق، أغفل عمدا أو سهوا نقاطا أحب التنبيه لها.
ولكن قبل التنبيه على هذه النقاط، أود أن انوّه إلى أنّ الاستثمار في الذهب عندما تكون أسعاره متدنية والظروف المتعلّقة جيدة، يكون استثمارا واعدا. وقد ذكرت ذلك في عدد من مقالات سابقة عندما كان سعر الذهب حول الثلاثمائة دولار للأوقية. أما وأن سعر الأوقية الآن يقارب الثمانمائة دولار، فاتصوّر أن الاستثمار فيه ينبغي أن يكون محصورا فيمن يتابع أسعاره وأخباره بعناية ودقّة كبيرة، للأسباب الآتي ذكرها:
أولا، كلّما أنخفض الدولار ارتفع الذهب والعكس صحيح. ثانيا, كلّما حلّت كارثة اقتصادية كبيرة كما يحصل الآن يرتفع الذهب، وعندما تستقر الأحوال ينخفض. ثالثا, كلّما تنخفض الكميات المعروضة في الأسواق يرتفع سعر الذهب وكلّما تزايدت الكميات ينخفض سعره. وهنا مربط الفرس ومعقل الفرسان!
فمعلوم أنّ البنوك المركزية العالمية، التي يسوسها صندوق النقد الدولي، الذي تسيطر عليه الدول الغنية، تحتفظ بكميات كبيرة من الذهب. ولقد اتّخذت قرار سابقا (تراجعت عنه) بالبيع التدريجي لمخزوناتها ممّا أدى الى تدهور سريع لأسعاره حينئذ. والذي ينبغي الانتباه له، أنّ هذه البنوك ومن خلفها، قد تنتظر حتى ترتفع أسعاره مرّة أخرى ثم تقوم ببيع بعض مخزونها ممّا سيهوي بأسعاره تارة أخرى. عندها سيكون الهارب الى الذهب كالمستجير من الرمضاء بالنار! فلنأخذ بالحيطة والحذر والله خير حافظا وهو أرحم الرّاحمين.
smrshaikh33@gmail.com

للتواصل ارسل رسالة نصية sms إلى الرقم 88548 تبدأ بالرمز 117 مسافة ثم الرسالة